امرأة من الشرق:قصة قصيرة للقاص وليد ع العايش من سوريا

/امرأة من الشرق/ لم تكن الرياح قد استكانت، فعلى الرغم من هروب الشمس إلى غيوم تبدو بأنها ماطرة إلا أن صرير الريح كان يرتفع مع مرور الموج الواحدة تلو الأخرى . ولم تبد الغيوم أية رغبة في البقاء فبدأت بحزم حقائبها للرحيل خشية أن تجرفها الرياح مرغمة . في خضم هذه الضجة السماوية الأرضية أتت خيوط المساء ومن خلفها عكاكيز الليل والظلمة ، بينما اختلست الغيوم ذهاب الريح لتناول عشانها فعادت عن هروبها تاركة العنان لحباتها كي تصافح الأرض والبحر معا . كان يدري ، أو كان يتتظر هروب النور وطغيان العتمة ، ولعلها هي أيضا كانت منتظرة أكثر لكن حياءها يمنعها حتى من الاتصال فتركت الأمر للمطر لعله يأتي به إليها في لحظة ما . منذ قليل فقط انتهت الريح من تناول طعامها فعادت لتفاجئ بحبات المطر وقد سبقتها فما أن إلا أن ثارت ثائرتها على الموج فانصاع خوفا وتحرك توا معلنا قصف عنيف لصخور الشط المدماة بدماء الزائرين صباح ذاك اليوم . طرق الباب بهدوء على الرغم من علو صوت الرباح والموج والرعد ، أما البرق فكان الغائب الحاضر الذي يكاد أن يفسد كل شيء ، فتحت له فانزلق مسرعا إلى الداخل دون أن ينظر إليها ، بعد أن سدت منافذ الغرفة اختلس نظرة دون أن بشعرها ، وهنا كانت المفاجأة الأولى ، المرأة لا تشبه تلك التي واعدها بعد الظهيرة !!! .. هي تشبه كل شيء إلا النساء ، قال في سره : هي سيدة النساء . حديث شائك في البداية تحول مع مرور الوقت إلى أكثر مرونة ، كان الموج مسيجا المكان بقوة ، الدرب الموحل أصبح أقل وعورة ، الكلمات تبدو وكأنها أغنية جديدة ، الثوب المخملي بدا جميلا أكثر مما ينبغي ، بينما تحرك رداء الرأس ليتنحى جانبا فوثب الشعر الأسود الطويل ليحتل المشهد كاملا . لعلها القبلة الأولى ، ولكنها كانت الأكثر طولا في زمن الصراع على النشوة العابرة ، ساعة؛ اثنتان؛ ثلاثة؛ وربما أكثر ؛ فالوقت لم يعد ذو أهمية هذه الليلة الخارجة عن كل ماهو مألوف ؛ خارجا وداخلا هي ليلة اللاوعي البشري ، الأمواج تتمرد وتستمر في قصفها ، الريح لا تود السقوط في فخ المغادرة ، السرير هو الآخر يحضر الاحتفال . الفجر كاد أن يصل، المطر مازال يغني قصائد الشوق ، مزلاج الباب ينزلق بروية ، المرأة تتمتم بكلمات غير مفهومة ، قبلة أخيرة ثم يقفل باب الغرفة . لم يكد يصل إلى مكانه حتى سبقته رسالة قصيرة : ( سيدي لأول مرة أشعر بأني امرأة ، لأول مرة أعرف بأني لست شرقية أو غبية ... كن لي إلى الأبد ) . وليد.ع.العايش ١٠ / ٦ / ٢٠٢٢م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

ذات غروب :نص نثري للكاتبة أمل عطية من مصر

خلف الإعصار:نص نثري بقلم الاستاذة منى غجري