شكراً بنيّ:للشاعر الكبير عادل ناصيف من سوريا

وجاءني الخبر في السابع والعشرين من شهر آب عام ٢٠٠٦ أنّ ولدي طارق أصبح أباً وكانت القصيدة بعنوان : ( شكراً بنيّ ) شكراً بنيّ شكراً بنيّ أحييتَ ما قد ماتَ من جسدي ففاح العنبرُ ونوافذي نشوى وبابي بالشذا يتعطّرُ في كلّ ركنٍ من زوايا البيت غصنٌ أخضرُ وفمٌ يساجلني وعينٌ تبصرُ ورفيفُ أجنحةٍ تمرُّ وتعبرُ ويدٌ ترشُّ البيتَ خمراً من معينك تُسكرُ شكراً بنيّ شكراً بنيّ علّمتني كيف القصائدُ تُكتَبُ علّمتَني كيفَ الحروفُ تُطلُّ كالأطفالِ من بينِ السطور وتلعبُ علّمتني ،،،،،،أنَّ البحورَ إذا كتبتُ الشعرَ هذا اليومَ قفرٌ مُجدِبُ حرّرتَني من مدّها ،،، من جذرها ،،،،،مِنْ موجها وأريتني أنّ الحياة جميلةٌ ومواسمٌ لا تنضبُ شكراً بنيّ شكراً بُنيّ أنْسيتَني كلَّ الموازين القديمهْ ووهبتني لغةً كلونِ الصبحِ زاهيةً وسيمهْ تنسابُ مثلَ العطرِ في شفة الورودْ وجعلتني أحيا. وأولَدُ من جديدْ شكراً بُنيّ في آبَ يا بْني صرتُ شيئاً آخرا أصبحتُ أطرى من ورود الفجرِ أندى مِنْ نسيمِ الصبحِ في فصلِ الربيعِ وأنضرا أصبحتُ حقلاً أخضرا أصبحتُ شعراً راقصاً وقصيدةً خضراءَ تعزف أجملَ. الألحان في يومٍ تمرّد أغبرا أصبحتُ مرجاً من مروجكَ بالجمال تأزّرا في آب يابني صار في بيتي الحجرْ حسناءَ في عينيها آلافُ الصوَرْ حسناءَ فوق جبينها يغفو القمرْ في آب يابني صار بيتُ أبيك أحلى صارَ أكبرْ جدرانُهُ مرمرْ وقبضةُ بابه ذهَبٌ وأندرْ وستائرُ الجدرانِ لمْ يحلمْ بها قيصرْ والدارُ أمستْ لوحةً آبيّةً لو مسّها بشرٌ تخدّرْ وأبوكَ أصبحَ فارساً وحصانُه العربيُّ لم يحلمْ به عنترْ شكراً بنيّ شكراً بنيّ في آب أصبح ساعدي أقوى وظهري صار كالفولاذِ مشدوداً وأقوى ويدي وأوردتي وكلّ خليّةٍ بدمي غدتْ. في آب أقوى أصبحتُ أبصرُ ما وراءَ البحرِ أصبحتُ أُبصرُ كلّ ما خلفَ النجومْ أصبحتُ ياولدي هنيَّ القلبِ والعينين والأذنينِ لا ألمٌ لديّ ولا همومْ شكراً بنيّ شكراً بنيّ في السبع والعشرين من آبٍ تخفّتْ كلّ أعياد البشرْ وتراقصتْ نجماتُ هذا اليوم فوق يدي وودّعني الكِبَرْ وسمعتُ صوتكَ من بعيدٍ من بعيدٍ قدعبَرُ فعرفتُ أنه يمخر الأجواءَ والأنواءَ يحمل لي خبَرْ ويزفّني بشرى ( حفيدكَ قد أتى ) وأنا غدوتُ أباً وذا ولدي حضرْ ما كانَ أجملَه خبَرْ ! ما كانَ أكرمه ! كأمطارِ الربيعِ عليّ بالنعمى انهمرْ ما أجملَ الأغصان يا بْني حين يُثقلُها الثمرْ لو كنتَ قربي حين وافاني الخبرْ لرأيتني جيشاً من الفرسان قاتل وانتصرْ ما كان أحلاهُ خبَرْ ! شكراً بنيّ شكراً بني ّ أنعشتَ ما قد شلَّ من جسدي و ما منه انحسرْ وأعدتَ لي ديناً قديماً لا تُقاسُ به الدُّررْ ما شكلُه ؟ ما لونُ عينيه ؟ ما لونُ بشرتِه ؟ كمْ وزنُه ؟ كم طولُ قامتهِ ؟ أجبني كاد يقتلني السهرْ هيّا أجبني كاد يقتلني الضجر أنسيتَ يابني كيف جدُّكَ كان يسهرُ فوق مهدِكْ ؟ يقتاتُ من ضوءِ الشموعِ وقبلةٍ من صحن خدِّكْ ويهشُّ لمّا تومضُ البسماتُ من شفتيكَ من خدّيكَ من أسوار مهدكْ أنسيته كم كان ينهرُني ويُنذرني إذا حاولتُ. صدّكْ ؟ فتفرُّ نحوه طالباً منه اللجوءَ كأنه من بعضِ جندكْ فكذا أنا يابني كجدّك لا تلمْني إن فرشتُ القلبَ عندكْ إنْ رميتُ العينَ عندكْ إن بقيتُ. الدهرَ عندكْ شكراً بنيّ شكراً بنيّْ أرجوك يابْني لا تلمْني إنْ تخطّيتُ الحدودْ ولثمتُهُ ولثمتُ لمّته ولثمتُ غرّته ولثمتُ جبهتهُ ولثمتُ صرّتهُ ولثمتُ ثوبه قبلَ أن يُغسَلْ ولثمتُ ثوبه بعدَ أنَّ يُغسَلْ وقبّلتُ الأصابعَ والزنودْ وشممتُ في قدميه رائحة الجدودْ شكراً بنيّ شكراً بنيّْ أرجوك يابني لا تلمْني إنْ أنا علّقتُ أنواع التمائمْ في معصميه ، في منكبيه ، في وجنتيه إن كان خارجَ. مهده أو فيهِ نائمْ وعزفتُ فوق سريره أحلى القصائدْ وجمعتُ كلّ مزاهري ودفاتري وخواطري وأقمتُ للرفقاء والأصحاب أشهى ما يُقدَّمُ أو تُزانُ به الموائدْ وشكرتُ ربّي في الكنائس والمساجد إنّ طارقْ صار والدْ إنّ طارقْ صار والدْ صار والدْ ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، عادل ناصيف ٢٧ / ٨ / ٢٠٠٦ / دمشق كنت أظنّ أن القصيدة أكلتها النيران مع ما أكلته من دفاتر وأوراق وإذ بها متخفّية في أحد الأدراج بعيدة عن الحريق الهائل نتيجة مس كهربائي في منزلي بدمشق وأنا أنشرها الآن لأول مرّة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

ذات غروب :نص نثري للكاتبة أمل عطية من مصر

خلف الإعصار:نص نثري بقلم الاستاذة منى غجري