الوهراني:قصة قصيرة للقاصة التونسيه خيرة الساكت

قصة قصيرة من مجموعتي حبر لا ينضب

~  الوهراني  ~

طاف في مدينته يودع شوارعها الجميلة و يوصيها بحفظ ذكرياته بعد ما حكم عليه بالمغادرة...
وجه أمه الغاضب لا ينمحي من مخيلته... تأثير  الصدمة كان قويا عليها....
 دخلت غرفته قائلة بنبرة حزينة :
- " ارحل , لا مكان لك بيننا..! "
- " أريد البقاء في بلدي.. أنت والدتي و يجب عليك مساعدتي ...أرجوك أمي "
- " و أنت أيضا ابني و ستظل كذلك.. لقد فكرت جيدا و لا حل لما فعلته إلا السفر ...أن تعيش بعيدا عني أهون علي من أن يقتلوك أمام عيني... "

عانقته طويلا ثم ناولته تذكرة سفر إلى فرنسا حيث يقيم خاله و غادرت الغرفة مرددة " ربي يهديك "

جلب أخوه الصغير باقي الثياب المجففة من السطح... وضعها فوق السرير أمامه ...خرج مهرولا من الغرفة و لم يترك له المجال لينبس ببنت شفة ..بات أخوه الصغير يخشاه و كأنه من آكلي لحوم البشر...

أفراد عائلته يتسلحون بموقف الرفض و النبذ حياله..صدمة أمه ليست أكبر من صدمة أبيه فقد ارتفع ضغطه و نقل إلى المستشفى... وكالعادة يعجز والده عن مغادرة عالم الورع و التقوى و النزول إلى الواقع المادي لمعالجة المشاكل بينما تقف والدته كسد منيع للعائلة
و تجد حلولا لأي أزمة مهما كانت درجة حدتها..

تحسس وجهه المتورم من آثار الضرب .. الألم يعتصر قلبه...
هجم شباب المدينة عليه أثناء خروجه من كنيسة سانتا كروز و أوسعوه ضربا هاتفين " ابن الحاج مصطفى كافر مرتد !!.... اللعنة عليك يا حقير  ...هيا اقتلوه!! "

أغمي عليه تحت ركلات أقدامهم و لم يفتح عينيه إلا داخل الكنيسة... صديقه ابراهيم يحاول تضميد جراحه...
تأمل الصليب الذي يتدلى على صدر ابراهيم
و ثياب الرهبنة...

- " أين تلك الذقن الطويلة ؟ و لماذا لم يتفطن هؤلاء التكفيريون لأمرك ؟..
- " أنا جزء منهم و لا يمكن أن يشكوا بي ،..لاعليك...هل أنت بخير ؟...لقد أسعفتك.. غادر الكنيسة من الباب الخلفي و لا تعد إلى هنا مجددا..دع إيمانك في قلبك فأعين الرقباء لا تترك أحدا و شأنه!!"

تأمل الثياب المتكومة فوق السرير.. أطلق زفرة
" الجميع يخفون وجوههم الحقيقية حتى أنت يا ابراهيم "
جمع أدباشه في الحقيبة و ترك ورقة على المنضدة..

( لقد دخلت الكنيسة لأشاهد التقنية التي رسمت بها الأيقونات... طبعا فاتكم أني طالب فنون جميلة...لا حاجة لي بكم و لكني لا أستطيع العيش بعيدا عن وهران.. لن أودعكم )

أخذ الحقيبة و غادر المنزل للعمل في عين فرانين مترنما " وهران.. وهران.. الباهية.. "

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

لأجلك:للشاعرة لمياء فرعون من سوريا

دموع الورد:بقلم الاستاذة منى غجري من سوريا