يحدث أحياناً:قصة قصيرة للقاص المصري المبدع عادل أبو عويشه

يحدث احيانا ( قصة قصيرة)
بقلم عادل ابو عويشة
على احد المقاعد المتناثرة على الرصيف ارتمى ، مدّد ساقيه ، طوّح رأسه للخلف ، اسلم قياده لاغفاءة ، نبهه صوت الساقي ، بنصف وعيه اجاب : شاي ، بنصف وعيه الاخر راح يمسح المكان بعينيه : عن يمينه شيخ يطالع جريدة ، عن شماله شابان يتبادلان الحديث ، خلفه تختلط اصوات اكواب .. صواني .. ماركات و اشياء اخرى. امامه على الرصيف الاخر مبنى كبير تتوسطه بالطابق الثالث عارضة خشبية مدلًاة من طرفيها بحبلين ينتهيان ببكرتين بأعلى المبنى ، حيث يتعاون شخصان لجذب الحبلين وفقا لما يتطلبه العمل ، يتوسطهما صبي يطلً بين الحين و الاخر ، على العارضة يقف رجل في مقتبل العمر ، يقوم بطلاء واجهة المبنى باللون الابيض ، يتوقف هنيهة ، يخفض ذراعيه ليستريح قليلا ، ثم يواصل العمل ، يبدو مجهدا لكنه يتماسك ، يردًد صيحة كجزء من اغنية تعينه على العمل :  هيلا هبلا ، يجاوبه من أعلى المبنى :  صلًوا ع النبي .
" الشاي " .. قالها الساقي مادًا اياها بنغمة تدل على صفاء النفس و خلو البال ، واضعا ما بيده على النضد سائلا في ودٌ :  _  كيف حالك يا استاذ حسين ؟ .
_  بخير يا زٰنفل .
راح الساقي يتطلًع الى المبنى صائحا :  شد حيلك يا اسطى درويش .
فيهزً له الاخير رأسه و مازال يردًد:  هيلا هيلا .
تأتي المجاوبة هذه المرًة من أعلى المبنى و الساقي و بعض نفر يتابعون المشهد :  صلًوا ع النبي.
بينما نظرات الاستاذ حسين مثبًتة على اليدً التي تقوم بالطلاء باللون الابيض التي ترتعش و صاحبها بدا يترنًح ، يسند رأسه ، ثم ... سقط . انطلق صوت الصبي من اعلى شاقًا القلوب  : ابويااااا .
لحظة تجمّدت العيون في محاجرها ، ثم تحرًرت السيقان ، انطلقت كالسهام تجاه الجسد النحيل الممدًد أسفل المبنى فوق كومة من رمل بقايا الترميم .
تسابقت الايدي تخبط الوجنتين .. تدلًك الصدر .. تجسً النبض .. تفرد الساقين ، و صراخ لا ينقطع وسط الزحام :  ابويا .. ابويا ، و كلمات متلاحقة تنزلق على الشفاه  :  يا ستًار .. اسعاف .. نطلب الاسعاف .. شويًة مايًة يا زنفل .. بسرعة يا زنفل .. افسحوا .
انفرجت جفون الرجل ببطء و دهشة ، تفرًس الوجوه ، مدً احدى ذراعيه ، جذبوه .. اجلسوه .. تجرًع حفنة ماء ، تأوًه .. تلفًت .. وقف تحيطه نظرات الشفقة و الترقًب .. الحمد لله.
تحامل على زملائه في العمل يقفوه ابنه ملهوفا ، ثم .. انفرط العقد .. كل الى وجهته ، يسبقبهم زنفل بحركته الرشيقة و اكواب فارغة ، اسرع يعبر الطريق ، قفز على الرصيف ..تعثًر .. وقع .. صدمته سيًارة مسرعة ، توجًه اليه نفس الحشد ذرافات و وحدانا . تحلّقوا حوله .. يصرخ .. ينزف  ، بينما سيًارة الاسعاف قادمة بصفًارتها المعهودة ، توقًفت ، نزل المسعفون ، حملوا زنفل ، انطلقت السيّارة وسط ذهول الجميع.
( تمت ) مع تحياتي عادل ابو عويشة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

لأجلك:للشاعرة لمياء فرعون من سوريا

دموع الورد:بقلم الاستاذة منى غجري من سوريا