حوار الذات:قصة قصيرة للقاص المصري عادل ابو عويشه
حوار الذات ( قصة قصيرة)
بقلم عادل ابو عويشة
أف ! زفر زفرة تحوّل كبده الى كتلة من لهيب و راح ينتفض . خرج ، صفق الباب بشدّة اهتزّت لها جدران البيت . هل وصل الأمر بينهما الى هذا الحد ؟ نقطة اللاعودة .. الطلاق ! . كان البيت عرسا من الأعراس ضاحكا فأضحى مناحة قائمة لا تهدأ نارها و لا يخبو دخانها انها غيورة .. ليست غيرة مألوفة شأن كثير من الزوجات ، و لا حتى شكّ، انه جنون .. جنون الغيرة و الشكّ و المرض النفسي الذي يدور في الأثرة و حب التملّك . امتدّت الغيرة لتشمل شقيقته الكبرى التي بمثابة امّه بعد وفاة امّه و لم يزل صغيرا ، انه يرعاها مع ابنائها ردّا للجميل و عرفانا بفضلها و صلة رحم ، لكن الزوجة تستشيط غضبا من جرّاء تلك الرعاية . امّا الشكّ فهذا ما لا يحتمله بشر ، بداية من تفتيش حقيبة العمل و العبث بمحتوياتها بمجرّد وصوله الى البيت ، اذ يكتشف ذلك من الطريقة التي يضع بها أوراقه و ملفّاته .. فيجدها ( ملخبطة ) ! .
كذلك جوّاله اذ تحاول معرفة النساء اللائي اتصل بهن او اتصلن به ، ثم يبدأ الحساب و العتاب : لماذا اتصلت بك فلانة ؟ ماذا تريد منك ؟ ألم تتصل البارحة ؟ ، و ينتهي الحوار بأن يترك لها المكان متشاغلا بأي شيئ . و هي لا تفرّق في ذلك بين فتاة صغيرة أو امرأة مسنّة مرورا بشابات في مختلف أعمارهن . و يعمّ ايضا زميلات العمل و الجارات و الأقارب بل حتى من منهن بالشارع ! و هو الذي لم يعبث يوما عبث الفاتك الجرئ الذي لا يخاف مغبّة و لا يخشى عارا . و بدلا من اعجابها بأناقته فهذا ذريعة اخرى للشكّ.. جنون الشكّ، فتبدو مثل كرة مطّاطيّة تتقافز أمامه تارة و تتدحرج تارة اخرى ليتحوّل البيت الى ( سراية مجانين ) ، مما يضطرًه ان ينتبذ منها مكانا قصيّا حتى لا يسمع الأولاد ما يدور بينهما ، و يقول في نفسه و قد برّح به الضيق : " خمود البركان خير من فورانه " ! .
هل الطلاق هو الحل ؟ و ما مصير الأولاد ؟ البنت اصبحت في المرحلة الثانوية و الولد مازال صغيرا .. و هل يستطيع اكتراء بيت اخر ؟ هل ميزانيته تسمح ؟ ، اذا وقع الطلاق فالولد في حضانة امّه لكنه يحتاج الى رعاية ابيه ، و البنت ستعيش معه لكنها في هذه السن تحتاج الى امّها .. حيرة ! .
هل هو زواج فاشل ؟ لقد حمل في طيّاته بذور الفشل التي روتها الغيرة و رعاها الشكّ ، ثم كم اشتكت الزوجة بعد كلّ هذا من انه أصبح جامدا .. عواطفه باهتة ، مشاعره قدّت من حجر .. جلمود .. جرانيت ، لا يبادرها بكلمة ترضي أنوثتها ، لا يبادلها حديثا يوطّد ما بينهما من أواصر ، دائما امّا يقرأ .. يشاهد التلفاز .. يفتح النت ، و لا يعيرها اهتماما شأن كلّ الزوجات ، انه نكوص اضطراري .. هروب مؤقًت .. ربما.. الى متى ؟ .
هل يستسلم للأمر ؟ يعترف أنها مافتئت تقوم بواجبها كربّة بيت لكنها لم تعد تهتم بنفسها ، أصبحت سمينة بدرجة ملحوظة .
ما الذي صارت اليه حياتنا ؟ لقد أصبحت بين الزوجات أقساهن جنانا و أعصاهن عنانا ، انظر اليها حينا نظرة غضب ينخر زوايا الرؤوس ، و حينا اخر نظرة الراحم الراثي و استمطر ذوب قلبي كلما تذكّرت الأولاد ! .
انتشله صوت جوّاله من هذا المونولوج المسترسل ، انها زوجته .. قالت بصوت مضّطرب و كأنها في عجلة من أمرها : " الحقنا يا فتحي .. البنت اتزحلقت على السلالم و هي نازلة .. طلبنا الاسعاف .. اشتباه في كسر " ، ثم أردفت و هي تبكي : " احنا في طريقنا للمستشفى " .
كلماتها محت من ذاكرته كلّ أثر لهذا المونولوج الذي سيطر عليه ، قفزت من أعماق أعماقه صورة ابنته .. أن يصل اليها .. يدركها .. يطمئن عليها .. يباشر علاجها ، أجابها بصوت متحشرج يصارع للخروج من حلقه : " أنا جاي حالا " ! .
( تمت ) مع تحياتي عادل ابو عويشة
تعليقات
إرسال تعليق