أنا والشعر :قصيدة للشاعر السوري الكبير عادل ناصيف
( أنا والشعر )
أسائل الشعر لا شكوى ولا عتبا
لقد جفاني وأوهى كاهلي تعبا
أمضّني وهو يزهو في خمائله
وما عرفتُ له في هجرِهِ سبَبا
أغوص في بحرهِ بحثاً على أملٍ
عن درّةٍ فيه فرّتْ من فمي غضبا
أناطحُ الصخرَ في أحشائه وأنا
في ذروةِ الشوقِ للحرف الذي هربا
وما وجدتُ به شيئاً أهشُّ له
إلّا خيالاً دنا كالومضِ واقتربا
وحزمةً من قصاصاتٍ ممزّقةٍ
طوتْ قروناً ولم أعرفْ لها نسبا
تقاذفتها يدُ الشطآن فاعتلقتْ
بين المغاور تخفي خلفها عجَبا
حملتُها وخيالُ الومْضِ يكشف لي
دربَ الرجوع ، ألَا سبحان من وهبا
قصاصةٌ حملتْ في طيّها صوَراً
لما مضى كشفتْ ما كان مُحتَجَبا
وبضعةٌ من أحاديثٍ جلتْ سرُراً
كانت سراباً طوتْ من عمرها حِقَبا
وبعضها قدْ تخفّى في مجاهلها
الحرفُ الذي ضاع مني الأمس واغتربا
وجاءني حاملاً قيثارَه نغماً
حلواً شجيّاً سقى لي الروحَ والعصبا
فتحتُ جرحي له فانسلّ في جسدي
وغاص في دمهِ نشوانَ وانسكبا
يزفّ لي خبراً قد كنت أحسبهُ
وهْماً تمادى على أقلام مَنْ كتبا
ولم يدعْني خيال الومضِ في ولهي
فسابني أستقي التاريخَ وانسحبا
وها أنا بين أقلامي ومحبرتي
أصارعُ الموجَ والأرياحَ والسحبا
وبعضَ مَن هشّموا التاريخَ واحترفوا
طمسَ العيونِ عن الغازي وما جلَبا
وهلّل الشعرُ يحدو في فمي ودمي
وينثرُ النجمَ في كفّيَّ والشهُبَا
وفوق ساعده تختال. أغنيةٌ
ما مسّها وتَرٌ إلّا انتشى طرَبا
تلوتُها فانحنى لي بعضُ مَنْ سمعوا
ومَنْ تبقّى صحتْ عيناه وانتصبا
وصفّقَ الجمعُ يزجي لي تحيّتَه
فأنبتَ الرملُ في صحرائه ذهبا
وحدّثتني قصاصاتٌ تنزّ دماً
وأخبرتني عن الماضي الذي ذهبا
لا أكشف السرّ إلّا للذي عبقتْ
في راحتيه حروفٌ تنفثُ اللهبا
وأنت لي خير مَن أهديه ساريتي
وخيرُ من يقحمُ الأمواجَ والحجُبا
وأنت لي شاعرٌ أزهو بصحبته
ما كنتَ إلّا أخاً لي في الهوى وأبا
حصّنتَ لي لغتي من شرّ ما فعلت
يدُ. الجناة وأدّيتَ الذي وجبا
وما أتاني طَموحٌ رام أغنيةً
إلّا. فرشتُ له الأقلام والكتبا
فكيفَ تنعتني أني هجرتُ أباً
من صفوِ ديمتِه شهداً لنا سكبا ؟
ها قد رجعتُ وفي جيبي لكم صوَرٌ
من أمّةٍ ظُلِمتْ ، تاريخُها سُلِبا
أرستْ على كتفِ الأيّامِ رايتَها
فكلُّ نجمٍ تمنّى لو لها انتسبا
قد زوّدتْني بقنديلٍ ومبخرةٍ
وحمّلتْني سلاماً عاطراً رطبا
جُلْ في سواحلها واملأْ يديكَ شذاً
ومن كنائزها ما يدهشُ الأدبا
جوّدْ بشعركَ جوّدْ أنتَ من وطنٍ
ما زال يبعثُ فينا البدعةَ العجبا
ملكتَ بالشعرِ ما لم تمتلكْه يدٌ
طوبى لمن جالَ في الدنيا وما اغتربا
وساكنتْه حروف الضاد واجتمعتْ
في بردتيهِ وكان الحاضنَ الحدِبا
أودعتُكَ اللغةَ. الفصحى فكنْ سنداً
من بعدِ ما عادك الحرف الذي هرَبا
شكراً لمن صقلتْ بالشعرِ موهبتي
وعلّمتْني فنون الشعر والخُطَبَا
تظلّ لي الشام رغم البعدِ حاضرتي
إين اتّجهتُ هفا قلبي لها وحبا
وسوريا المجدُ والتاريخ أحملها
على ذراعي ولم أرفضْ لها طلبا
عبّأْتُ محبرتي بالياسمين وقد
فاضتْ عبيراً وشعراً عانق الشهُبا
ما. قلتُ شعراً بها إلّا ونزَّ دمي
وصفّق المجدُ لي واهتزَّ لي طرَبا
وغازلتني الروابي الخضرُ في وطني
والفجرُ ينفثُ فيها الزهرَ والحببا
وقاسيونٌ تجلّى في فواصلها
والغوطتان وجيشٌ أذهلَ الحِقَبا
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عادل ناصيف / توسن أريزونا / ١٩ / ١ / ٢٠٢١
تعليقات
إرسال تعليق