لون الضياء:للشاعر السوري فادي مصطفى
معلقة٠٠لون الضِّياء
أسرجتُ خيلي وامتشقتُ بناني
وقصدتُ فجراً مُشرقَ الألوانِ
وصعدتُ أدراج الغيوم لأرتقي
وقطفتُ من لون الضِّياء بياني
سهمي أصاب مجرَّةً بنجومها
فتساقطت حول النُّجومِ أغاني
وتفرَّدّ القمر البهيُّ بجعبتي
والنُّورُ يسطعُ من حروف جناني
أعلنتُ في بحر الخليلِ تشهّدي
والنّثرُ يهرب من هوى إعلاني
الصَّيفُ أبردُ من لهيب مشاعري
والنّورُ أعتمُ من ضياء عياني
ما كلُّ من كتب القصائدَ شاعرٌ
فلعلَّ حبراً فاض من أثمانِ
من كان يكتبُ من مشاعر نبضهِ
في قالبٍ متوحّدٍ رنَّانِ
هوَ شاعرٌ ينسلُّ في قلب الهوى
ويزيح عنّي وخذةَ الأدرانِ
أنا في المشاعر دمعةٌ صدَّاحةٌ
ماللرّجالِ بدمعة الأحزانِ
أنا في المعارك مثل سيفٍ صارمٍ
مثل الرّصاصةِ في الهجوم حصاني
لكنَّ لي قلباً يشابهُ نسمةً
واللّهفةُ الهوجاء للإحسانِ
أنا شاعرٌ بمشاعرٍ ومحاربٌ
للحقِّ أبذلُ صبوتي ورهاني
إنّ المشاعرَ في الكتاب حديقتي
والحبُّ يهطلُ من خيوط دخاني
مازال فكري رغم أدران الورى
نوراً يزيدُ على السّراج معانِ
سألقِّنُ الأزهارَ لون صبابتي
لتفوح عطراً من شذا إيماني
وأُعلِّمُ الأجيال ما معنى الهوى
بالصِّدقِ والإخلاص من عنواني
أنا كوكبٌ والشّعر إشعاعي هنا
ثار الشّعاع بمهجةِ الخلَّانِ
أشدو فتشدو كلّ أطياف الحلا
من ذا يلاحظ رأفتي وحناني
القلب صافٍ لا ضغينةَ عندهُ
من ألف عامٍ تبتدي أكواني
كان السّبيل ولم يزل بمناهلي
من غابر الأحقاف والأزمانِ
من أرض نجدِ والحجاز ونينوى
بغداد كانت لم تزل بكياني
حتّى دمشق إذا سمعتُ نزارها
تتراقص الأشجار بالأفنانِ
(بدويْ الجبلْ) من ساحلي وهويّتي
والاسم أكبر من صدى الكتمانِ
سافرتُ في طلب المعارف للمدى
وجنيتُ منهم زهرة البستانِ
للتّينِ والزّيتون في البلد الّذي
فيه الجمال بنكهةِ الرُّمَّانِ
فبكيتُ ذكراهم وقلبي يشتكي
والدّمعُ يُثقلُ كاهلَ الأجفانِ
عاهدتُ نفسي أن أسيرَ بنهجهم
ليكون شعري من شذا الرّيحانِ
فهناك من نقض القريض بجهلهِ
وهناك من يشدو على الألحانِ
لن يهجرَ الطّيرُ المُغرِّدُ عشّهُ
لو لم تخنهُ نضارةُ الأغصانِ
خيل الأصيلة لم تخن خيّالها
فقطِ الخيانة معشر الإنسانِ
ظنّوا بأنّي سارقٌ أو مارقٌ
أو أشتري الأشعار من جيراني
ما كان لي نسبٌ بشعرٍ أو غنا
وكأنَّ جهلاً كان فيه كناني
الجذر بي منذ التّباشير الأُلى
بل كان جدّي من بني حمدانِ
أنا ألف بيتٍ قلت في نظم الهوى
آلاف أخرى جاء في أوزاني
عَجزَ الرُّواةُ بحفظهِ أو حصرهِ
من ذا يعينُ بنسخةِ الدِّيوانِ
الطّيرُ يشهدُ أنَّ لي في لحنهِ
والغيث يمطرُ في الشّعور أماني
صلّوا على خير الأنام محمَّدا
واثنوا عليه صلاتكم إخواني
حلمي خيالٌ ليتهُ متحقِّقٌ
هل تحمل الغيمات بعض كياني
حلمي بأن تجدَ المشاعر محملاً
للجدِّ يوصلها إلى تطوانِ
بيتي يفيض بفورةٍ شعريّةٍ
والسّيل يجري خارج القضبانِ
لو يشرب الأعراب نخب محابري
لتوحّدت وتماسكت أوطاني
إنَّ المنى أن يسمعِ النّائي هنا...
..كَ كلام روحٍ من صدى إدماني
مكتظَّةٌ بشذا الأقاحي والنّدى
بين الحروف معالمٌ ومباني
أودعتُ سرَّاً لا سبيل لكشفهِ
في أوّلِ البيت الأخير الثَّاني
الرّيحُ تجري والهوى لا ينتهي
لو ينتهي لن تنتهي قمصاني
فأنا البدايةُ حين هبّت موجةٌ
وأنا الصّخور بهدأةِ الخلجانِ
فكتبتُ حالي والمحال بحالتي
وظهرتُ حين تمخَّضت فرساني
ورويتُ من دمع الأسى أقصوصتي
من يوم أن دَخَلَت إلى الدُّكَّانِ
أنا لم أبع يوماً شعوراً صغتُهُ
والعَوزُ يسرقُ من دمِ الشّريانِ
كلُّ النُّجوم الشّمسُ كانت نورَها
إلّا أنا بغياهب الكتمانِ
يا أيُّها النّورُ الّذي في شمسنا
اسطع ولو يوماً على ميزاني
أنا ما طلبتُ تميّزاً فوق الورى
لكنّ حالي ضاق في الكتمانِ
الجاهل ابتلعَ البسيطةَ كلَّها
من مسجدٍ يعلو بقرب الخانِ
والعاقل انتهجَ الحلال بقوتهِ
ونتاجهِ في عهدةِ الشّيطانِ
من يتبع الأخيار يدنو قبرهُ
ويعيش من يمشي معِ الأوثانِ
الكنزُ في قعر المحيط مكانهُ
أمّا الرَّخيص برملة الشّطآنِ
الحبلُ مربوطٌ بآخرِ زورقي
وأجرُّ فيه مصاعبَ الولدانِ
لا تحسبوا أنَّ القوافي مخبئي
هذا اللّظى ما كان بالحسبانِ
بعض الثّمار جمالها في قشرها
لكنّها تحوي على الدِّيدانِ
هل هذه الأقدار قد صُنِعَت لنا
أم أنَّ حقداً كان في العربانِ
إنّ العروبةَ أصبحت ذلّاً بنا
والقهر أصبح سيِّدَ الميدانِ
بلدي مشتَّتةٌ ويا ويح الّذي
بالجوع يصرخ أو يداه تعاني
رضيَ العباد الموت والموت اكتفى
مالي أُكَتِّمُ صرخة الوجدانِ
يا راحة المدفون في حضن الثّرى
إنَّ الثّرى خيرٌ منَ الخذلانِ
خجلٌ أنا من دمع أطفالٍ قضوا
صاروا طعام الذِّئب والغربانِ
لِمنِ الولاء إذا الدّيار تبرَّأت
من أهلها وغدت لكلِّ جبانِ
حتّى الرّفاق أتوا وخلناهم لنا
عوناً فكان القصد في الكثبانِ
ما حكَّ جلدكَ غير ظفرك يا أخي
فالنّاس تهرب أغلب الأحيانِ
فاسرج حصانك وانطلق صوب المدى
لا تنتظر أحداً ولو لثوانِ
فالعمر يمضي والرّياح هبوبها
يقوى ويزأر والمُهادنُ فانِي
اللّيل والبيت العتيق حكايةٌ
راحت وصارت خارج البنيانِ
فانظر أمامك واستقم فيما يلي
وارجع إلى المعبود والرّحمنِ
واختر طريقاً ليس فيه قساوةٌ
واركض مع النّسمات والغزلانِ
أنا ما دخلتُ اليأس مهما صابني
مع أنّ سمَّاً كان في فنجاني
وزرعتُ كل بيادري قمح الضّحى
وحصدت نوراً جاء من إدماني
السّيفُ والرّمحُ القويُّ وساعدي
والفكر أيضاً كان من أعواني
حتّى نسجتُ النّور من خيط المنى
وجعلتُ سيفي في القريض بناني
بقلمي فادي مصطفى
تعليقات
إرسال تعليق