المعذرة سيدي:نص نثري للاديبة السورية فاطمة جعفر

 المعذرة سيدي


الحبُّ بمعناه، شعشعةُ الشَّمسِ في مدن الهوى، رفرفةُ ذكرى من عمقِ ربيع، تفرطُ المفردات من عنقودِ كلام، وكلُّ الكائناتِ تتنفَّس حضوركَ حين ذكرك، 

والمجازُ يصرفُ اللَّفظَ عن معناه، ويبحثُ عن وجهٍ يُشبهك، ليُخمدَ بالإجابةِ حيرة البال، وكيفَ يمكنُ لحقيقةٍ أن تفوقَ خيال


وأنتَ الحقيقة! 

بيقينِ أنّنا قرأناكَ فأحببناك، وفضولنا قاتلٌ لرؤياك، 


كيف تكون؟ 

كيف نورُ الجنّات يكون؟ 

كيف الحقيقةُ تنفلقُ من بين كذبتين وتكون؟ 


المعذرة سيدي


بلا ياء نداء، تُشعرني أن الصّوت بعيد، 

وأن حاجزًا يمنعُ احتكاكَ القلبِ بالقلب، من أميِّين متعلّمين! لحضرتك مسيؤون، لغيرك مادحون، في غيِّهم غرقى، في غربٍ متلاطم الموج، يحرف الجيل إثر الجيل فيتوهونَ أكثر عن الدّليل، أو أنّهم أضاعوه، أو أنهم حمقى، امتلكوا مجرَّة فاستبدلوها بنجم. 


المعذرة سيدي


فالكلمةُ في الشّفاه جنينٌ لم يُخلَقْ بعد، غير مكتمل الرّئتين، بقلبٍ مفتوحٍ على النّكبات، وكلُّ الضّوءِ في الأرضِ والسّماء بصيصٌ خافت، ينطفئُ برياحِ التّقدم والتّمادي، وكلُّ المديحِ صريعُ الدفاتر والقصائد والابتهالات، ارتطمَ بهيبةٍ ووقار، فغابَ وغار، بل إنّه مُسجّى بالخجلِ من بعثرةٍ للمعنى غير مقصودة، فيها المحبُّ إذا أراد البوح تأتأَ اللّفظ، وغلى في قلبهِ الدّم، وارتعشت على أثره الرّوح، ليسَ خوفًا بل استشعارَ عظمةٍ من عظيم. 


المعذرة سيدي


من يراعٍ فارغ رغم امتلائِه، يشبهُ ساقيةً تحتفلُ ببحر، وقلب مغلَّق الأبواب والنّوافذ بإحكام، لكنّه مثقوبٌ بألفِ ثقب، يَطفُّ ما فيه للدّاخل فقط، فما يُسرّه معروفٌ للعالم، لكنّه فقَدَ جميع المعالم،

أنا خجلى من قلبٍ فقد الحسّ، وخمس أصابع تجتمعُ على نص، أربعة منها قتلَتْها الحسرةُ من مخالفةِ أمركَ وهجرِ وصاياك، فبدلا من الاحتفاء بجنابكَ كشفَتْ بنقدها سوءة الحال، وخامسة على حافَةِ قبرِها تحتضر، ثم تعودُ لتعتذر:


فالمعذرة سيدي 


بخجلٍ أكتبُها عمَّن يُطفئُ غضبهُ بشتمِ الله وشتمك، ويُحقّق مآربه بتشويه اسمك، أوقفَ عمل (لا) فلم تعد تنهى، ما كنتَ قدوته يوما، فترك سُنّتك وابتعدَ عنها، اتّخذكَ وسيلةً للحلفانِ عند كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، هان عندهُ صبركَ وهُنت، ونسي أنّك المجتبى بمناقبَ ليس انبهارًا أن تجعلّك "المعلم"، 

طبتَ وطاب المقام، وعلا الجنابُ وحَسُن الختام، وما عندي يفوقُ اللّغةَ والكلام، لكنّ حديث الأرواحِ أقرب للبوحِ والمناجاة، فيه الصّلاة حبل يصلني بك، وطريق للقلبِ أقصر يوصل المعنى بلا إيحاء ولا إيماء. 


صلّى اللهُ عليكَ وسلّم،  


والمعذرة منك


سيدي...


#فاطمة_جعفر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

لأجلك:للشاعرة لمياء فرعون من سوريا

دموع الورد:بقلم الاستاذة منى غجري من سوريا