الجبل:قصة قصيرة للقاصة زهرة يبرم من الجزائر

 الجبل


أرض منبسطة، سهول خضراء مترامية الأطراف على مرمى البصر إلا من جبل عملاق ينتصب شامخا في أحد أطرافها، مرصع بالصخور والحصى، أجرد أغبر لا خضرة فيه ولا شجر.


كانت تلك الأرض وذاك الجبل ملكا لرجل ثري كسب ثروته من زراعة أرضه فائقة الخصوبة. فكلّ ما تلقيه إليها ينبت، ولو القيت حجرا ينبت كما يقال مبالغة، فهي تجود بالمحاصيل مرتين في السنة.


توفيّ الرجل، فورث أبناؤه الأرض من بعده. اقتسموها، لكن جانبوا العدل في القسمة.  كانوا أشقاء كثرًا إلاّ أخا لهم، أصغرهم من زوجة أبيهم، فاختاروا لأنفسهم أحسن الأراضي، السهلة والخصبة، وجعلوا نصيبه ذلك الجبل.


كم كان الأخ الشاب يكره الجبل! تلك الكتلة الصلدة القاحلة ذات  اللون الداكن المقرف الحزين. وكم كان يتأفف من حجمه وارتفاعه وموقعه في وجه الشمس في أيام الشتاء الباردة، ويتمناه أن يزول. فلو لم يكن موجودا لكان الوصول إلى الطرف الآخر من القرية في وقت وجيز. 


لكن، ولأنه شب على تنشئة صالحة، فقد كظم ما اعتمل بنفسه نتيجة ظلم إخوته له وغمطهم حقه، وفوّض أمره إلى ربه. رضي بنصيبه من الدنيا وروض قلبه على القناعة حفاظا على صلة رحمه، وقرر أن يحبّ تلك الكومة الصماء المتراكمة من الأتربة والحجارة.


بدأ بين الحين والآخر يصعد الجبل، يقلب رأسه في مناكبه، يتعرف على ملامحه شبرا شبرا، يعصر أفكاره لعله يُلهَم فكرة تجعله يستفيد منه.

 

واهتدى لأن يستصلح الجبل على الطريقة الصينية، على شكل مدرجات يغرسها خضروات وأشجار مثمرة. 


عششت الفكرة في رأسه، وما لبث أن شرع في التنفيذ بآلات يدوية بحتة. بدأ يشق طريقا ترابيا من القاعدة إلى أعلى القمة. فكان يزحزح الحجارة عن أماكنها ويرصفها على الجانبين، مع ترك معابر يتنقل عبرها إلى السفوح.


 وفي مرحلة أخرى بدأ يهيئ قطعا صغيرة للزراعة بتنحية الحصى وتفتيت ما يمكن تفتيته من كتل التراب، وبنقل الأتربة من المناطق اللينة ليبسطها على المناطق الفقيرة من التربة، وغيرها من الأعمال المجهدة... واستطاع بجهده البدني الفردي الدؤوب أن يزرع بعض الخضروات، ويغرس كثيرا من الأشجار المثمرة للإستفادة منها على المدى المتوسط والبعيد... وعاش فلاحا بسيطا، يسترزق من كده وعرق جبينه.


 على قمة الجبل كان يشرف على أراضي إخوته المنبسطة وهم يحرثون ويزرعون ويحصدون ويجمعون حبوبهم وغلالهم بمختلف الآلات الزراعية، بينما كان يستعمل الحمير والبغال لجر محراثه اليدوي البدائي على قطع أرض تقاس بالأمتار. وعلى الدواب يرفع الحمولات للبلوغ بها سفوح الجبل أو النزول بها. تكفي محاصيلهم للإستهلاك والتصدير، بينما محصوله متواضع بالكاد يكفي استهلاكاته اليومية... ولم يكن يخفى على الناس بالجوار حاله وغبن إخوته له.

أحب الجبل فلم يخذله ولم يذهب تعبه سدى، إذ ما لبث أن درّ عليه بالخيرات لمّا أثمرت أشجاره. كان يحمد الله على منه وكرمه أن عوضه عن وعورة المكان بحسن التربة وخصبها.


تمسك الفلاح الشاب بجبله، وارتأى أن يبني مسكنا على أحد سفوحه ليكون قريبا من أرضه، فأحضر مهندسا معماريا لمعاينة المكان واختيار الموقع المواتي للبناء.

جلب المهندس الآلات والعمال، وشرعوا في الحفر لتهيئة المكان. ولما كان الحفر في عمق الجبل، تدفقت الأتربة سوداء ملساء متجانسة لا تشوبها شائبة ما جلب انتباه المهندس إلى أنها ليست تربة عادية، فأخذ عينة منها إلى مخبر تحليل التربة، فكانت المفاجأة... 


إن ذلك الجبل العملاق هو منجم فوسفات! 


زهرة يبرم

جانفي 2022

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

لأجلك:للشاعرة لمياء فرعون من سوريا

دموع الورد:بقلم الاستاذة منى غجري من سوريا