نهى وألم ونسيان:قصة قصيرة للقاصة زهرة يبرم من الجزائر

 نهى وألم النسيان


استيقَضَتْ في الصباح كعادتها، تمطَّتْ في فراشها وهي تستجمع أفكارها المتثائبة. تذكرتْ أن اليوم هو غرة شهر ديسمبر، وهو اليوم الذي لا تَسْهُو عنه من بين أيام السنة. إنه يوافق ذكرى مولدها. ستة عشر عاما انقضت من عمرها!


 قفزت إلى نافذة الغرفة تشرعها ليدخل النور الصباحي فينير العتمة من حولها. نظرت إلى نفسها في المرآة الكبيرة المثبتة على باب خزانتها. رفعت شعرها الفاحم الطويل بيديها، دققت في ملامحها وتعالى صوت بداخلها مزهو بها: كم أنت جميلة! فتاة ببهاء الصبح!


كانت تنتظر من أمها وهي تطبع قبلة الصباح على خدها أن تحضنها وتقول لها كل عام وأنت بخير صغيرتي. لكنها لم تفعل. 

سكبتْ لها كأس حليب بالقهوة وأدنت منها طبق "الكرواصون" على طاولة الإفطار. سألتها إن كانت وُفِّقَتْ في حل بقية مسائل الرياضيات التي تركتها منكبة عليها بالليل. لكنها لم تتطرق إلى موضوع ذكرى ميلاها ولا للتحضير لسهرة كالمعتاد. لم تقترح عليها الفستان الذي ستلبس ولا تصفيفة الشعر التي تناسب. لم تتكلم عن طلبية الكعكة والمشروبات، ولا عمن سيحضر المناسبة. 


هي مازالت تعتمد على أمها في كل شيء، وتثق بذوقها الرفيع في كل شيء. فهل نسيت أمها المناسبة؟ 


انتابها حزن ولم تشأ أن تذكر أمها بالأمر إذا لم تكن قد تذكرت بنفسها.


أما والدها فكان يأخذ حمامه الصباحي وهو يدندن بأغنية فرنسية عتيقة ربما بقيت كلماتها عالقة بذهنه من أيام الطفولة.  


شربت نصف محتوى كوب الحليب ولم تتناول معه شيئا. هيأت نفسها وحملت حقيبتها المدرسية على كتفها وسبقت والدها إلى السيارة وهي تجتر مرارة أن تُنْسَى في مثل هذا اليوم الذي كانت تنتظره بفارغ الصبر. إذ كانت ستلبس حذاء بكعب عال لأول مرة. نُسِفَ كل شيء. فلا احتفال ولا فرح ولا تأنق ولا هدايا. 


وصلت إلى المدرسة وهي تتوقع أن تبادر أعز صديقتين لها بتهنئتها.  لكنها تشعر بالحرج منهما، فهي لن تستطِيعَ دعوتهما لحضور حفلها كما تعودت منذ بضع سنين. هل تخبرهما بإلغاء الحفل هذه السنة؟ أم تقدم لهما حجة تبرر بها عدم دعوتهما؟ وأية حجة ستقدم؟ فهي بطبعها لا تحب الكذب ولا تجيده.


 لكن حيرتها تبددت إذ خدمها الحظ، لأن صديقتيها لم تقدما لها التهنئة. رفع عنها الحرج لكنها في نفس الوقت استغربت، كيف نسيتا هما أيضا ذكرى ميلادها؟


جلست مكانها في الصفّ شاردة دون تركيز مع درس الرياضيات وهي التي كانت شعلة من الحيوية والنشاط. إذ كانت مدرستها تعتمد عليها في تنشيط الحصة بمشاركاتها وأسئلتها الذكية في المادة. 


انتبهت لها المدرسة فكتبت على السبورة: اليوم 30 نوفمبر 2014 .


 وخاطبت طالباتها مركزة نظرها عليها ومشيرة إلى التاريخ: لم يبق إلا أسبوع واحد على موعد  الامتحانات، ومحور هذا الدرس سيكون من بين المحاور التي ستمتحَنَّ فيه. أرجو الانتباه والتركيز.


انتفضت وهي تنتبه إلى التاريخ. فاليوم هو الثلاثون من نوفمبر وليس الفاتح من ديسمبر؟! وذكرى ميلادها غدا وليس اليوم؟! 


عادت الفرحة إلى قلبها وعاد معها نشاطها وحيويتها وأقبلت على الدرس .


زهرة يبرم/ الجزائر

جانفي 2014

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

لأجلك:للشاعرة لمياء فرعون من سوريا

دموع الورد:بقلم الاستاذة منى غجري من سوريا