اهلا بالعام الحادي والثمانين:للشاعر السوري الكبير عادل ناصيف
( أهلاً بالعام الحادي والثمانين )
عامي الثمانون ضيفٌ حلَّ وارتحلا
ما كانَ أنبلَه أحيا بيَ الأملا
ومرَّ كاللمحِ لكنْ ذكرُهُ عطِرٌ
أماطَ عني لثامَ البؤسِ والملَلا
ما خانني أبداً ما ردّ لي طلباً
فاضتْ سحائبه شهداً وما بخِلا
يا طيبه مسعفاً في حضنه رقصتْ
أبياتُ شعري وفي راحاته اكتملا
ومدّني بشباب الشيبِ فارتعشتْ
فيَّ القوافي وطابَ الشيبُ واكتحلا
حسبتُه ما أتى إلّا ليُطفئَني
وإذ به شمعةٌ في ظلمتي اشتعلا
ورشَّ لي الدربَ أزهاراً ملوّنةً
وسخّر الجوَّ لي والبحرَ والسبُلا
وقادني نحو من تُحيي نسائمهم
ما يفعلُ الدهرُ في عمري وما فعلا
أشمّ رائحةَ اللهِ بكيمتنا
عسى يعيدٌ لي النجم الذي أفلا
وأستجمُّ على أنغام صادحةٍ
كانت تطارحني في الكيمةِ الغزلا
يا أيها القادم الآتي أتحمل لي
عاماً سعيداً جميلاً مثلما حملا ؟
أخوك كان طريّاً في معاشرتي
غضّاً نديّاً أحالَ المرَّ لي عسلا
مرّتْ لياليه لا شكوى ولا ألَمٌ
ولا اعتلالٌ بجسمي بعد ما رحلا
كنِ الوفيَّ له واحفظْ أمانتَه
ولا تخُنْه وجنِّبْ ساعدي العِللا
سألتُك اللهُ أن تحمي لنا وطناً
تناهبتْ أمنَه في شامنا العُمَلا
واحفظْ كرامةَ شعبٍ ما انحنى أبداً
لغاصبٍ غادرٍ عاتٍ وما امتثلا
شعبٌ تطهّر بالإيمان منفردٌ
لا يعرفُ الزيفَ والتدليسَ والدجلا
شادَ الحضارة ما جفّتْ سحائبه
الغرب والشرق منْ شلّالِه نهلا
وما ثناه عن التشييد مؤتمرٌ
وما يزالُ العصيَّ العارضَ الهطِلا
مرّتْ عليه يد الشيطانِ وابتلعتْ
خبزَ اليتامى ولم تتركْ لهم بدَلا
صُنْهُ عزيزاً وصُنْ يا ربُّ حرمتَه
واحمِ الطفولةَ لا خوفاً ولا وجَلا
الفاسدون طغوا وازداد شرُّهمُ
فيما سمعتُ وسادوا السهلَ والجبلا
صادوا العصافير َ في أعشاشها علَناً
صادوا البلابلَ صادوا النسرَ والحجلا
صادوا الأجنّةَ في الأرحام وازدلفوا
إلى الصلاةِ وحيّوا اللهَ والرسُلا
وأحرقوا شجرَ الزيتون في وطني
والقمحَ من قبلِ أنْ ينمو وينسبلا
وما تبقّى لأهلي في مرابعهم
شيءٌ يعيد لهم في عيشهم أملا
فلا تلمْني إذا أسرفتُ في طلبي
قلبُ المحبّ فمٌ لا يعرفُ الخجلا
عابوا عليّ جنوني في الهوى وأنا
جرحي طريّ نديٌّ بعدُ ما اندملا
قالوا : تغزّلْ أما أحببتَ ؟ قلتُ : بلا
أليسَ ما قلتُه في سوريا غزلا ؟
سقيتُها من دمي الحامي كؤوس طلىً
بها انتعشتُ وشعري للسُّها وصلا
حبّي لها لم يدعْ للغير متّكأً
ولم أجدْ غيرها لي حاضناً بدلا
غنّيتُ للشامِ أسمى ما يجودُ فمٌ
لناسكٍ رامَ وجهَ اللهِ وابتهلا
هيَ الحبيبةُ لي أمّي وحاضنتي
ومَنْ تغرّبَ عنْ عيني وما انفصلا
قبضتُ راحي على أمجادها ويدي
كادتْ تُطاولُ في عليائِه زُحَلا
لا بارك الله مَنْ ضحّى بها ورمى
ومن تماهى ومن أفتى ومن قتلا
دعني أرى الشامَ بالأنوار راقصةً
وقاسيون بماء ا لزنبقِ اغتسلا
وسوريا انتفضتْ تزهو بوحدتِها
وكلَّ ركنٍ تعافى وارتدى حُلَلا
والياسمينة في داري تفوح شذىً
وتُنبتُ الأرضُ في صحرائنا نفَلا ( ٢ )
والطفلَ ينعمُ في أحضانِ والدةٍ
تبثّه الدفءَ تروي خدَّه قُبَلا
وكلَّ مغتربٍ عاد الحنينُ به
إلى الأحبّةِ لاقى الأهلَ واحتفلا
فينتفي الألمُ المخزونُ في رئتي
وأُنشدُ الشعرَ مزهوّاً به ثَمِلا
وألتقي الصحبَ والأبناءَ في وطني
وكلّ بيتٍ بجلباب الضُّحى رفلا
فأستريحُ على أنغام قافيتي
وألتقي مطمئنّاً بعدها الأجلا
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(١ ) الكيمة : ضيعة الشاعر /وادي النصارى /
منطقة تلكلخ محافظة حمص
( ٢ ) نفلا : النفل نوع من الأعشاب البرية
يستخدم علفاً لتسمين الماشية
تعليقات
إرسال تعليق