السفح الغربي:قصة قصيرة للاديب حميد نعمة من العراق

قصة قصيرة السفح الغربي ............ حين تثور الريح فإن أظهراً كثيرة لألسن صخرية تبرز كرؤوس حيوانات خرافية.... سرعان ما تضربها الأمواج فتختفي لثوانٍ, محطمة أمال النوارس في أن تجعل منها ملاذا أمنا. وحين تهدا الريح، فإن ما يتبقى من آمال النوارس المتطرفة, لا تكون سوى مجرد فكرة عقيمة. فالنسر الذي يجوب هذه الأنحاء يحفر في ذاكرتها مظاهر الرهبة والموت. فغالبا ما تحمل قدماه ألوانا شتى لضحايا قد يشلها الجوع والمرض, أو قسوة المخالب, أو تفزعها انحناءة المنقار وقسوته... وفي كل الأحوال فإن تلك الكائنات التي تآلفت مع بعضها, تعرف أكثر الضحايا التي مزقها دون رحمة, إذ تتدلى تحت جسده الهائل, ويطوف بها ,عامداً, إرجاء البحيرة والجبل والسفح الذي يطوق البحيرة من أركانها الثلاثة. بل يمتد الرعب إلى كل ما يغوص تحت سطح الماء من كائنات, حين تلامس مخالبه سطحها الرائق. يدرك كل من على وجه تلك الرقعة مدى القسوة التي يحملها قلب ذلك الطائر... ولولا السفح الغربي, لما تمكنت الشمس من الوصول إلى سطح الماء، إلا عندما تتعامد مع الرأس. فقد امتد ذلك السفح الأخضر العريض مع الأفق، وتبعثرت على ردائه زهور أكسبت تلك الخضرة هالة من الجمال الأخاذ والعبق.... شكلت النوارس دوائر مشتتة لامعة في الفضاء. فزعة غير راغبة بالاقتراب، فقد أفرد النسر جناحين كبيرين, وتوزعت نظراته بين ما يطوف في السماء, وبين هذا الهيكل الغريب الذي افترش الخضرة واسترخى. دار دورتين متقاربتين، ثم أمال جسده فتعامد جناحاه على الأرض، والتمعت عيناه, وزعق. ولم يلبث حتى أرتفع، وبدا كنقطة سوداء في صفحة السماء. رفع الهيكل من أمامه كاساً وأفرغه في جوفه, ونفخ غيمة صغيرة من دخان سيجارة. لكن دوران النسر وانقضاضه المفاجئ، لم يترك له فرصة التمتع بتلك الغيمة الزرقاء، إذ كادت المخالب أن تطير بأنفه، لولا تحاشيه لها بحركة من رأسه إلى الخلف. تأكد له أن هذا الطائر، إنما يدافع عن مملكته، التي تبدو حدودها أبعد من السفح والجبل والبحيرة, إذ لم ينازعه كائن على تلك السيادة منذ ان وطئت قدماه تلك الرقعة. ولم يكد يفرغ الهيكل كأسه التالي، حتى حام الطير حول صخرة ناتئة, ثم تدلت قدماه فوقها، وتكوم جسده الضخم اللامع, وهو يمد عنقه الطويل, ويدير رأسه في كل الأنحاء. لقد تأكد له أن لا شيء يضمره ذلك الهيكل المتطفل, والذي سرعان ما بدأ يسترخي أمامه. ومع كل نفثه دخان, أو ارتعاشه للكأس يرتفع رأس النسر، ويستطيل عنقه، وتتحفز قدماه وكتفاه للانطلاق. لكنة يعود إلى حالة الاستقرار ثانية, حين تلتقي نظراته الحادة بنظرات الهيكل الحذرة. وأخيرا أحسا بشيء من الطمأنينة، فقد اختفت نظرات التحدي. وبدءا حواراً صامتاً، جعل كل منهما يدرك أن لا خطر يضمره الآخر. ففي النهاية سيرحل هذا المتطفل, أو قد يشج رأسه إن أبدى أية حركة تنم عن سوء نية. لذا فقد راح منقاره يداعب ريش قوادمه ومخالبه, نفض جسده بحركة توحي بسعادة واطمئنان. بينما أطرق الآخر دون حراك كنهاية منصفة لذلك التوتر المريب. ما دفع النسر إلى القفز فوق صخرة لا ترتفع كثيراً عن مكان جثومه. التمع رأسه تحت الأشعة القرمزية للشمس, التي صبغت وجه الهيكل، وأحالت شعره الفاحم إلى لون الكستناء. وعلى نقطة بعيدة على متن الجبل, برزت كتلة سوداء بين صخرتين تميلان قليلا باتجاه البحيرة. خطا النسر فوق الصخرة المتوهجة, ثم قفز مندفعا إلى فضاءه الأمن، وهو يسدد نظرات لا تخلو من الحذر إلى المتطفل المخذول. بينما فرشت الكتلة السوداء جناحيها, ومدت رقبتها وهى تستقبل نسرها الذي غطى المكان بجناحيه الكبيرين.بعد أن هب الرجل واقفا, وابتسامة حذرة تلتصق بشفتيه, وهو يرى تشابك عنق النسر بعنق أنثاه التي ما لبثت أن حلقت فوق عشها المهيب, ونظراتها لا تفارق هذا الذي أحدث هزة في سكون البحيرة, وخرق قوانين جبروت ذكرها المهيب حتى أختفى. @@@@

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

لأجلك:للشاعرة لمياء فرعون من سوريا

دموع الورد:بقلم الاستاذة منى غجري من سوريا