جلق الخيرات:للشاعر القدير حسن علي المرعي من سوريا
...جِلَّقُ الخيرات ...
يا شامُ فاتحةُ العتابِ عِناقي سَكِرَ النّديمُ على شِفاهِ السّاقي
كلُّ الكؤوسِ تكسّرتْ في راحتي إلاّ بسيمَكِ سلسلَ التِّرياقِ
خاصرتُ كلَّ سُلافةٍ فمللْتُها فرجعتُ من برَدى أغبُّ عِتاقي
يا شامُ أخشى من جناحيْ دائماً نحو المَشارقِ ناشِراً أوراقي
فإليكِ نفسي قصقِصي طمَّاعَها والرُّوحُ طيرٌ لا يودُّ لَحاقي
بردى دعِ الصفصافَ يفعلْ فعلَهُ وإلى فتاةِ الحَورِ شُدَّ وثاقي
راقٍ وأنهارُ البلادِ كما ترى مابينَ نهْـرَيْ ذِلَّـةٍ و نِفـاقِ
واستبْقِني يا قاسيونُ بخيمةٍ جارَ الثُّريَّا هاديَ الطُّـرَّاقِ
حيَّاً ودمّي في البلادِ مُخصِّبٌ أرضَ الشّهادةِ سرمدُ التِدْفاقِ
أو فازرعيني يا دمشقُ بمفرقٍ بلّوطـةً لمواعدِ العُـشّاقِ
كلُّ الملائكِ بينَ أوراقي ارتموا يُوحونَ سِفْراً للغَدِ الخلّاقِ
هلْ كانَ فيْضُ اللّٰه إلاّ تُربةً منكِ استعادتْ راحةُ الرّزاقِ
فأنارَ منها كلَّ أخضرَ يانـعٍ من أنهُرٍ و مباسمٍ و مآقي
واستأثرَ الرّحمٰنُ بالباقي لكي منها يُكوِّنُ جنَّـةَ الإشـراقِ
*
يا جِلَّـقَ الخيراتِ يا نهـراً بهِ ذَوبُ اعتناقِ مَباسمٍ و حِداقِ
هلْ عادَ زورقُنا الذّي حمّلْتُهُ أُولىٰ ثمارِ العشْقِ في أعماقي
أوَّاهُ من أمسي الجميلِ تركْتُهُ في عُبِّ غافيَةِ النّهودِ حِقاقِ
غارتْ لهيبةِ نهدِها دُرّاقةٌ فاحمرَّ ما فيها من الدُّراقِ
وانسلَّ طيرٌ فاضِحاً أسرارنا من عُشِّهِ يا خجلةَ الشُّقْراقِ
*
يا شامُ لَوْثةُ عاشقٍ تجتاحُني ما طارَ سِربٌ أو رأيْتُ سواقي
كمْ عند شطِّ النّهرِ جئتُ أصيدُهُ فاصطادني قاني الشِّفاهِ رقاقِ
من يومِها علَّقتُ اسمَكِ عَوذةً تحمي فؤادي من يدِ السُّرّاقِ
وتركتُ للشّامِ الجميلةِ مقودي أين أرتحلْتُ وأين حلَّ رفاقي
ويهزُّنـي وأنا بـها مُتعلِّـقٌ ما ناحَ صَوبَ الشّرقِ صوتُ عِراقي
(نايلْ) رماني والشّآمُ تضمُّني (نايلْ) يُشرِّدُ و الشَّآمُ تُلاقي
أوْ ماسمعتُ منَ الجّنوبِ قصيدةً صِيغتْ بدمٍّ طيِّعِ الإهراقِ
نادتْ فـضرغامُ الشّآمِ ببابِها والصّوتُ مرَّ على قبورِ الباقي
*
يا شامُ ضيّعَ قدسَنا قَوَّادُها يا ضَيْعةَ الأنسابِ والأعراقِ
يا خجْلةَ التّاريخِ من زمَنٍ بهِ خدَمَ الكرامُ موائدَ الأفّاقِ
وتهافتوا يتنازعـونَ نُثـارةً بقيَتْ بعينِ اللصِّ في الأطباقِ
يا شامُ حقٌّ أنْ تكوني أمّةً ويكونَ نسرُكِ سيِّدَ الآفاقِ
أبكاكِ نخلُ الرّافدينِ مُمزَّقاً وجُننْتِ من موجِ الخليجِ مُعاقِ
وسهرتِ تنتظرينَ عودةَ خفرعٍ منْ رحلةِ الإذلالِ و الإخفاقِ
قَدَرٌ جميلٌ أنْ تكوني مكَّةً ويكونَ حافظُ في الشآمِ عراقيْ
ويكونَ نهرُ النِّيلِ سوريَّ الهوىٰ وطريقُ (قانا) شارعَ العُشّاقِ
عذراً دمشقُ فلنْ أبوحَ بقطرةٍ فالنّارُ قد وصلَتْ إلى أوراقيْ
الشاعر حسن علي المرعي تشرين ثاني/١٩٩٨م.
تعليقات
إرسال تعليق