المثقف:بقلم الاستاذ محمد عزو حرفوش من سوريا

المثقّف.. أين وكيف؟ سلام الله عليكم. لقد تردّدت كثيراً قبل خوض غمار هذا العنوان المحيط.. لكن حسبت أنّ واجبي أقرّ ذلك. كثيراً ما يتردّد إلى أسماعنا.. أو نقرأ بأعيننا لفظ المثقّف. كلمة قد تمرّ مرور الكرام هنا.. وقد يستأهل الأمر الوقوف عند هذا اللفظ والمصطلح مطوّلاً.. بوجهة نظر شخصيّة.. تحتمل الصواب والخطأ.. وربّما تُحسب في أبجديّة الجرأة. ما هو مفهوم المثقّف الحقيقي؟ ومن هو المثقّف الملتزم؟ وهل على المثقّف أن يكون ملتزماً؟ أسئلة كثيرة جالت وما تزال في مخيلتي.. وما زلت أبحث عن الجواب الكافي والشافي.. نعم أبحث عن الإجابة في بحر من الاحتمالات.. لا أعرف تماماً الدقيق منها.. لكن لمَ لا أخوض غمار التجربة.. وأدلي بدلوي فيها؟! هل أنا مثقّف؟ سؤال لا ينفكّ يقضّ مضجع مخيخي في كلّ نبضة قلم. أنا متعلّم وحاصل على شهادات كثيرة.. أحتفظ بها في صندوقي الأسود.. لكن لا أعلم يقيناً.. هل أنا مثقّف؟! إذا كنت مثقّفاً.. هل أنا صانع ومؤثر أم مقلّد ومردّد ومنظّر؟ وقد ثبت لي أنّ المثقّف ليس من يملك قدراً كبيراً من المعلومات.. تعلّمها وحصل عليها من إطلاعه.. إن لم يكن قادراً على تسويق هذه المعلومات والتأثير على الآخرين بها.. فالثّقافات متعدّدة.. وقوّة الثّقافة في مدى تأثيرها بالثّقافات والمجتمعات الأخرى. المثقّف الحقيقي هو من يكون ملكاً للمجتمع والإنسانيّة وليس ملكاً لنفسه فقط. المثقّف الحقيقي هو ذاك الإنسان الحرّ بفكره.. القادر على القراءة والاستنتاج وتقديم الرؤى للنهوض بواقع مجتمعه.. وتخليصه من العوائق التي تحول دون ذلك.. أي يجب أن يكون مفكراً ومبدعاً.. وليس حافظاً وناقلاً دون أيّة قيم وإضافات إبداعيّة. المثقّف الحقيقي هو من يحمل هموم مجتمعه والإنسانيّة.. ويلتزم الدفاع عن القيم والمبادئ ويحارب الظلم ويقف إلى جانب المظلومين.. وبمعنى آخر يلتزم هموم وقضايا أمته ومجتمعه. وهو بهذا الالتزام يجب ألا يكون سلبيّاً.. ويبقى في حدود التنظير والتبرير.. تحت عنوان الحفاظ على ما يراه تراثاً ثقافيّاً دون السعي الحثيث لتطويره. بل عليه أن يكون إيجابيّاً ويقوم بتوظيف ثقافته في التحليل وقراءة الواقع والثقافات الأخرى واستشراف المستقبل.. بما يجعل النخب الثقافيّة ومعها مجتمعها على استعداد دائم لمواكبة أو مواجهة أيّة تطورات محتملة الحدوث.. إذ أنّ من واجبها التنوير والتطوير والشموليّة في التفكير وحسن التدبير.. وليس الغرق في التكرار والتبرير. والمثقّف الحقيقي هو القادر على التأثير الفعلي في المجتمع.. عن طريق الدفاع عن جميع الحقوق والقيم التي تجعل أفراد مجتمعه أكثر راحة وسعادة.. وتحصينه من التأثّر بالثقافات الأخرى التي تغزو الفضاء الفكري.. سيما السلبيّة منها التي تستهدف تدمير مجتمعاتنا وقيمنا وحضارتنا وتاريخنا. وهو بهذا الوصف وحتّى يكون محطّ ثقة أفراد المجتمع ومرجعاً حقيقيّاً لهم.. يجب أن يكون مؤمناً بذلك ويملك نفساً طاهرة غير ملوّثة.. وروحاً نقيّة قادرة على العطاء.. وضميراً حيّاً.. أي يملك القيم والمبادئ التي يدافع عنها ويؤمن بها.. كالإنسانيّة والأخلاق النبيلة والوعي والإحساس بالمسؤوليّة والمحبّة والتسامح والصدق في القول والفعل وغيرها. ولا يعدّ كلّ هذا ملكاً لنفسه فقط.. ويأخذ من ثقافته منبراً للإظهار والإشهار.. بل ملكاً لمجتمعه وقضاياه العادلة.. ويترجم ذلك في إبداء رأيه المبني على ثقافته وتحليله واستشرافه للمستقبل في جميع الأمور ذات الصلة والتأثير بهذه القضايا. وبذات الوقت حتّى يتمكن المثقّف من القيام بكلّ ذلك.. يجب أن يكون حرّاً بالمعنى الفكري وليس الجسدي فقط.. إذ أنّ الخوف والتردد يقزّم مساحة العطاء ودرجة المسؤوليّة من مجتمعية شاملة إلى شخصيّة ضيقة. أكتفي الآن... سلام عليكم. .. محمد عزو حرفوش.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تكويع:للشاعر عبد الرحمن القاسم الصطوف من سوريا

لأجلك:للشاعرة لمياء فرعون من سوريا

دموع الورد:بقلم الاستاذة منى غجري من سوريا