كان وصار عبرة دون اعتبار:بقلم الاستاذ محمد عزو حرفوش من سوريا
كان وصار.. عبرةٌ دون اعتبار.
سلام الله عليكم.. أمّا بعد.
إنّها لحظات تأمّل واسعة الطّيف.. ربيعها مسروق على ذمّة الخريف.. والكلّ يعلن براءته من هذا الحيف. الكلّ مغمض عيونه صارخاً يا لطيف.
في جردةٍ لذاكرةٍ.. أرادوا لها أن تُثقب.. أو ربّما تُتلف.. فثُقبت وأتلفت أو تكاد.. في سعي حثيث لدفن ( ما كان).. بكلّ ما فيه من طهر ونقاء وجمال.. وإعلان ولادة ( ما صار) القيصرية.. بكلّ ما فيها من غدر وقبح وقهر.
تشرّد مخزون ما كان وتشتّت.. وتعملق حضيض ما صار وتثبّت.. ( وعلى عينك يا تاجر.. قبل أن تصير هذه العين وقحة).
وحتّى لا يكون كلامي مبهماً وميتافيزيقيّاً.. وتعجز بهيّة عن إخبارنا عن الذي قتل ياسين.. ويمسي زواج فؤادة من عتريس شرعيّاً وغير باطل.. وتغتصب رائعة ( جنو نطو ) السيمفونيّة طقطوقة ( على أم المناديلِ) الهزليّة؟! وتصبح حياتنا ( بمبي وسكر محلي عليه كريمة).
كان الأولاد يبرّون أهلهم.. ويرون فيهم القدوة والمثل الأعلى.. يقدّمون لهم فروض الطاعة بكلّ قناعة ورضا واحترام وتبجيل.. مقدّرين شقاءهم في سبيل تأمين ما أمكن من حاجيات أولادهم.. وسهرهم على راحتهم.. وسعيهم لإيصالهم إلى شاطيء الأمان.. مدركين أنّ في ذلك كلّ سعادتهم.
صار أغلب الأولاد يتصرفون ( وفق سلوكهم الظاهر على الأقل) وفق قاعدة.. الأب للدفع.. والأمّ للخدمة.. والمنزل فندق؟! وأنّ كلّ ما يقوم به الوالدان.. هو واجب ولا منّة لهما.. بل وربّما يتهمونهم بالتقصير..( ما حدا جبركم تخلفونا ).
كان المعلم معلّماً.. والطالب طالباً.. صار المعلّم تاجراً.. وصار الطالب فاجراً.
كان الاختلاس عيباً وحقارة.. صار الاختلاس قوّة وشطارة.. واللصّ سيد على باب الحارة.
كان الذكيّ اللبيب الشريف مكرّماً.. صار مجرّماً.
كان فعل الخير ومساعدة الغير قاعدة.. والشرّ والايذاء استثناء.
صار كلّ ذلك هراء ومحض غباء.
كان الوطن قيمة مثلى.. والفخر في الانتماء.
صار مشجباً.. نحيل إليه ما نرتكبه من أخطاء.
كان القول الفصل للحكماء.. صار بيت القصيد في ما يتشدّق به السفهاء.
كان وكان وكان.. صار وصار وصار........
كان الرحمن سيد القلوب والعقول.
صار الشيطان يفعل.. ولا يكتفي بالقول.
الرحمن رحيم كريم منذ الأزل.. والشيطان لعوب رجيم لم يزل.
الإنسان لم يتغيّر في الهيئة والشكل.. لكنّه تبدّل في النيّة والفعل.
هل تغيّر الإنسان.. أم تحوّل الزمان؟!
أم أنّ الضمير قد تمّ تقديمه لآلهة الفساد والظلم قربانا؟!
هل فقدنا الأصل وأضعنا العنوان؟!
آلاف الأسئلة المشرّدة الحائرة وآلاف المحاولات البائسة العاثرة.. تتصارع في جردة الذاكرة.
الإيمان..الوفاء.. النقاء.. الأصالة..الضمير.. الانتماء.. عبارات ومصطلحات على شفير الفناء.. تصرخ وتناشد كلّ الضالين الغافلين الأشقياء.. إن عدتم.. عدنا والضامن ربّ السماء.
الغدر والخيانة واللصوصيّة والحق والحلال والحرام.. كلّها صارت وجهات نظر.. والفتوى جاهزة ديلفري رهن الطلب دون أي حياء أو حذر.
يا أولي الألباب.. لكم في الذي صار عبرة..
ولا يعيد إليكم الذي كان إلا الاعتبار.
اهجروا الأنا الطاغية.. وتلمّسوا نحن السامية.
والله.. ما كان أفضل مما صار.. فلنعد قبل أن يقتلعنا جميعاً الإعصار.. ولنحسن فهم العبرة.. ونجيد الاعتبار.. والليل لابدّ سيعقبه نهار.
ولا أرى أو أثق بوجود حياة كريمة للإنسان في غياب الأخلاق وغيبوبة الضمير واحتضار الإنسانيّة.
لست هنا في موقع الواعظ الرزين.. إنّما في موقف العاجز الحزين.. إذ يرى ما صار يلتهم ما كان دون أي رادع أو أدنى تردد.
نسأل الله السلامة وحسن التدبير والهداية والصحوة من الغفلة للجميع.
.. محمد عزو حرفوش.
تعليقات
إرسال تعليق