تاج المدائن:للشاعر الكبير عادل ناصيف من سوريا
(تاجُ المدائن )
يا بنتَ سوريا سماؤكِ غارُ
الأرضُ تحتكِ جنّةٌ ونُضارُ
للّهِ درُّكِ يا أميرةُ أنتِ في
روضِ الجمالِ محجّةٌ ومزارُ
من قَبْلِ تاريخ الشعوبِ كتابةً
تهفو القلوبُ إليكِ والأبصارُ
خزنتْ بكِ الأيامُ أنفسَ حِلْيَةٍ
حارتْ بفكِّ رموزِها الأفكارُ
مرَّتْ عصورٌ والعواصفُ جمّةٌ
والريحُ عاتيةٌ وأنتِ منارُ
تاجُ المدائنِ أنتِ منهلُ زهوِها
وملاذُ أهلِ صلاحِها والدارُ
أعطاكِ ربُّكِ من جنانِه واحةً
يرتادُها الشعراءُ والسمّارُ
ما إنْ دجا ليلٌ وحلّتْ كربةٌ
إلًّا وشعَّ عليه منكِ نهارُ
كم مُدْلجٍ في الليلِ جاءكِ خاطباً
خلعتْ عليه غُبارَها الأسفارُ
ومضى على أعقابِهِ إِذْ راعه
تاجُ الملوكِ وكنزُكِ الفوّارُ
وتملَّكتْهُ رعشةٌ محمومةٌ
وعراهُ ممّا قد رَآه دُوارُ
يا بنتَ سوريا وشمسَ نهارِها
أنتِ المنارُ لنا وأنتِ الغارُ
سلمتْ يدُ الباني وتسلمُ أمّةٌ
هيَ للعصورِ معزّةٌ وفخارُ
ما مرَّ في الدنيا نبيٌّ مُرسَلٌ
إلّا وَكانٓ له بها آثارُ
هِيَ سوريا أمُّ القداسةِ إن بكتْ
بكتِ السماءُ وأهلُها الأطهارُ
والأرضُ مادتْ واستُبيحَ مدارُها
واستُنْفِرَتْ سُحُبٌ بها وبحارُ
الويلُ للعرْبانِ إنْ هِيَ هوجِمتْ
أو مسَّ أمْنَ مسارِها بحّارُ
أنا سوريا أُمِّي وأمُّ عروبتي
والصيفُ لي والسحبُ والأمطارُ
يا شامُ يا شامُ العروبةُ أفلست
لم يبقَ إلّا الخائنُ المكّارُ
في أرضِكِ الخضراء كنزُ معالمٍ
ومواهبٌ شتّى لديكِ كبارُ
لا يقدرُ العربانُ محوَ سطورها
مهما توعّدَ أمنكِ الدينارُ
الربُّ حصّنها وباركَ شعبها
فعِمي سلاماً وانعمي يا دارُ
أنفقتِ عمرَكِ في بريق سرابها ( ١ )
وإذا بها - والعفوُ منك -غُبارُ
سبعون عاماً وهي تسبحُ في دمي
ويروقُ في جسدي لها الإبحارُ
تمتصّ من دمنا وتأكل لحمنا
ونجوعُ كي يحلو لها الإفطارُ
أنتِ التي علّمتِنا كيف اقتسا
مُ الخبزِ بين الأهلِ كيفَ يُدارُ
أنتِ التي افتخرَ الزمانُ بذكرِها
وتطيّبتْ برحيقها الأسمارُ
للهِ قلبُكِ ما أرقّهُ كالندى !
أيكٌ عليه من الزمانِ وقارُ
ما أمحلتْ دارٌ وجفّتْ روضةٌ
ودعاكِ ساهٍ واحتمى بكِ جارُ
إلّا وحُزْتِ السبقَ في درءِ الأذى
وهمى عليه ضرعُكِ المدرارُ
عربُ الرمالِ وهم أشدُّ سفاهةً
عند السباقِ يسوقهم دولارُ
لا ليلُهم ليلٌ ولا إصباحُهم
كالصبحِ فيه تصدحُ الأطيارُ
لا يحفظُ المعروفَ إلّا أهلُه
والشرُّ يحملُ وزْرهُ الأشرارُ
أمُّ الحضارةِ ما اغتزاها مجرمٌ
إلّا فراهُ سيفُها البتّارُ
هِيَ مُزنةٌ للزائرين وفلّةٌ
للسائحين وروضةٌ وبهارُ
وكنيسةٌ للعابدين وجامعٌ
للمؤمنينَ وواحةٌ ومدارُ
في كلِّ بيتٍ قصّةٌ مكتوبةٌ
بدمِ الشبابِ ودمعةٌ وحوارُ
وبكلِّ زاويةٍ ملاحمُ عزّةٍ
ومآثرٌ شمختْ بها الأدهارُ
تروي لنا تاريخَ سوريا الذي
شهدت له لو تنطقُ الأحجارُ
سأعود أحملُ فوق ظهري غربتي
لا الشيبُ يمنعني ولا الأقدارُ
(لا ينهض البازي بغير جناحه )
وبلا الثرى لا تنبتُ الأشجارُ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ألقيتُ في عرضِ البحارِ سفينتي
ولْيقضِ ما يحلو له التيّارُ
منكِ ابتدأتُ ومنكِ كانت رحلتي
وعلى ذراعكِ ينتهي المشوارُ
إنْ كان بِاسْمِ الدينِ مقتلُ أُمَّتي
والذبحُ فيه سُنَّة وشعارُ
وجنانُ ربِّكِ مرقدٌ لدُعاتِه
ومساكنٌ يلهو بها كُفَّارُ
فأنا على دين الجحودِ إذا به
يسمو الوجودُ وينهضُ الإعمارُ
عادل ناصيف
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
من ديوان عبق الياسمين
( ا) الضمير في سرابها يعود إلى العروبة الوهمية
عروبة العربان
تعليقات
إرسال تعليق